يُوضح جاستن سلهاني أن إسرائيل تتبنّى نهجًا جديدًا في تعاملها مع غزة يشبه ما فعلته في لبنان: لا حرب كاملة ولا سلام حقيقي، بل حالة رمادية تسمح لها بالهجوم متى شاءت. فبعد اتفاق وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر، واصلت إسرائيل تنفيذ ضربات جوية في غزة ولبنان وسوريا واليمن، أسفرت عن مقتل مئات الفلسطينيين، في ما يراه محللون سياسة “لبننة” للقطاع — أي إعلان نهاية الحرب رسميًا، لكن مع الاحتفاظ بحق شنّ الغارات إلى أجل غير مسمّى.
تشير الجزيرة إلى أن إسرائيل نفذت خلال الأسابيع الأخيرة هجمات في لبنان بعد عام من الهدنة الموقعة مع حزب الله، رغم التزام الطرفين بوقف النار. قتلت غارة في الجنوب أربعة أشخاص، وأخرى قبلها بأيام استهدفت رجلًا يقود دراجة نارية. إسرائيل تبرر هجماتها بزعم أنها ضرورية حتى “نزع سلاح حزب الله”، بينما يرى اللبنانيون والحكومة أن تل أبيب تخرق الاتفاق عمدًا.
يصف روب جيست بنفولد، الباحث في الأمن الدولي بكلية كينجز بلندن، المشهد بقوله: “الإسرائيليون لا يسعون لحل الصراع، بل لجعل الحرب هي الوضع الطبيعي الجديد.” قبل هجمات 7 أكتوبر 2023، كان يُعتقد أن إسرائيل لا تقدر على خوض حرب طويلة بسبب طبيعة اقتصادها ومجتمعها، لكن هجوم حماس وجماعات فلسطينية أخرى، الذي قتل أكثر من 1100 شخص واحتجز أكثر من 200، غيّر المعادلة وجعل إسرائيل تدخل في “حرب مفتوحة بلا نهاية” تمتد عبر المنطقة.
يضيف التقرير أن إسرائيل انتهكت مرارًا اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان الموقع في 27 نوفمبر 2024، بينما لم تواجه إدانة حقيقية من الولايات المتحدة — الضامن الرئيس للهدنة — ولا من المجتمع الدولي. ورغم استمرار القصف، ردّ حزب الله مرة واحدة فقط في ديسمبر بهجوم رمزي على موقع عسكري إسرائيلي دون إصابات، لكن إسرائيل ردّت بقصف واسع قتل 11 شخصًا بينهم ضابط أمن لبناني.
يشرح مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، أن بنيامين نتنياهو “يحاول فرض واقع جديد في غزة: لا حرب شاملة ولا سلام، بل ضربات متواصلة كالتي يشنّها في لبنان.”
أما الباحث كريس أوسيك، المتعاون مع “فورينزك أركيتكتشر” و“بيلينجكات”، فيقول إن ما يحدث اليوم امتداد لسياسة إسرائيلية قديمة منذ 1948، تشمل مجازر واستيلاء على الأراضي في الخليل والقدس والدوايمة. يرى أن “الإبادة في غزة مستمرة بشكل بطيء من خلال القصف المتقطع ومنع إعادة الإعمار.”
داخل إسرائيل، يعترف بعض الإعلاميين المقربين من حكومة نتنياهو بأن هذا النهج أصبح العقيدة الجديدة. يقول الصحفي الإسرائيلي أميت سيغال في بودكاست مع إزرا كلاين: “اللبننة القديمة كانت أن العدو يقف على الحدود، أما الآن فتعني أن لدينا مواقع عسكرية داخل أراضي العدو نضرب منها متى لزم الأمر. الدرس من 7 أكتوبر هو أن علينا أن نكون حيث يوجد الخطر.”
ويرى محللون أن إسرائيل تستخدم تفوقها العسكري للحفاظ على ضعف جيرانها، كي تمنع قيام أي قوة اقتصادية أو عسكرية منافسة. لكن كثيرين يشكّون في أن استراتيجية الحرب الدائمة هذه يمكن أن تصنع استقرارًا حقيقيًا.
يقول مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، في مقال بمجلة فورين أفيرز: “إسرائيل لا تستطيع قصف الشرق الأوسط لتفرض نظامًا جديدًا مستقرًا. القيادة الإقليمية تحتاج أكثر من القوة العسكرية؛ تحتاج تعاونًا وقبولًا من القوى الأخرى.”
وفي غزة، يبدو أن الهدف الإسرائيلي الآن هو البقاء عسكريًا داخل عمق القطاع مع الجاهزية الدائمة للهجوم. هذه السياسة تعني رقعة جغرافية أوسع للمراقبة لكنها تفتح أيضًا مجالًا أكبر للمقاومة. يخلص بنفولد إلى أن “هذا الوضع أكثر احتمالًا لحماس من إسرائيل، لكنه يعرقل إعادة الإعمار ويُبقي غزة في دوامة الخراب.”
وهكذا تُحوّل إسرائيل غزة إلى نسخة مكرّرة من لبنان — منطقة بلا حرب ولا سلام، تعيش في ظل القصف المستمر والتهديد الدائم، كأن الاستقرار أصبح جريمة لا تُغتفر.
https://www.aljazeera.com/features/2025/11/4/how-israel-is-using-no-war-no-peace-lebanonisation-model-in-gaza

